فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإلى ثمود} الآية، هو ثمود بن غاثن بن أرم بن سام بن نوح أخو جديس بن غاثن، وقرأ يحيى بن وثاب {وإلى ثمودٍ} بكسر الدال وتنوينه في جميع القرآن، وصرفه على اسم الحي وترك صرفه على اسم القبيلة، قاله الزجاج، وقال الله تعالى: {ألا إن ثمودًا كفروا ربهم} فالمعنى: وأرسلنا {إلى ثمود أخاهم} فهو عطف على نوح والأخوة هنا أخوة القرابة، وقال الزجاج يحتمل أن تكون أخوة الآدمية، وسمى {أخاهم} لما بعث إليهم وهم قوم عرب وهود وصالح عربيان، وكذلك إسماعيل وشعيب، كذا قال النقاش، وفي أمر إسماعيل عليه السلام نظر، وصالح عليه السلام هو صالح بن عبيد بن عارم بن أرم بن سام بن وح كذا ذكر مكي، وقال وهب بعثه الله حين راهق الحلم، ولما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة، فأقاموا بها، حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر، وقوله: {بينة} صفة حذف الموصوف وأقيمت مقامه، قال سيبويه وذلك قبيح في النكرة أن تحذف وتقام صفتها مقامها، لكن إذا كانت الصفة كثيرة الاستعمال مشتهرة وهي المقصود في الأخبار والأمم زال القبح، كما تقول جاءني عبد لبني فلان وأنت تريد جاءني رجل عبد لأن عبدًا صفة فكذلك قوله هنا {بينة}، المعنى آية أو حجة أو موعظة {بينة}، وقال بعض الناس إن صالحًا جاء بالناقة من تلقاء نفسه، وقالت فرقة وهي الجمهور: بل كانت مقترحة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم، وروي أن بعضهم قال: {يا صالح} إن كنت صادقًا فادع ربك يخرج لنا من هذه الهضبة وفي بعض الروايات من هذه الصخرة لصخرة بالحجر يقال لها الكاثبة ناقة عشراء قال فدعا الله فتمخضت تلك الهضبة وتنفضت وانشقت عن ناقة عظيمة، وروي: أنها كانت حاملًا فولدت سقبها المشهور، وروي أنه خرج معها فصيلها من الصخرة، وروي: أن جملًا من جمال {ثمود} ضربها فولدت فصيلها المشهور، وقيل {ناقة الله} تشريفًا لها وتخصيصًا، وهي إضافة خلق إلى خالق، وقال الزجاج: وقيل إنها ناقة من سائر النوق وجعل الله لها شربًا يومًا ولهم شرب يوم، وكانت الآية في شربها وحلبها.
قال القاضي أبو محمد: وحكى النقاش عن الحسن أنه قال: هي ناقة اعترضها من إبلهم ولم تكن تحلب والذي عليه الناس أقوى وأصح من هذا، قال المفسرون: وكانت حلفًا عظيمًا تأتي إلى الماء بين جبلين فيزحمانها من العظم وقاسمت {ثمود} في الماء يومًا بيوم فكانت ترد يومها فتستوفي ماء بئر همشريا ويحلبونها وما شاؤوا من لبن ثم تمكث يومًا وترد بعد ذلك غيًا، فاستمر ذلك ما شاء الله حتى أماتها {ثمود} وقالوا ما نصنع باللبن، الماء أحب إلينا منه، وكان سبب الملل فيما روي أنها كانت تصيف في بطن الوادي وادي الحجر وتستوفي ظاهره فكانت مواشيهم تفر منها فتصيف في ظهر الوادي للقيظ، وتستوفي باطنه للزمهرير وفسدت لذلك، فتمالؤوا على قتل الناقة فقال لهم صالح مرة إن هذا الشهر يولد فيه مولود يكون هلاككم على يديه، فولد لعشرة نفر أولاد فذبح التسعة أولادهم، وبقي العاشر وهو سالف أبو قدار، فنشأ قدار أحمر أزرق فكان التسعة إذا رأوه قالوا لو عاش بنونا كانوا مثل هذا، فاحفظهم إن قتلوا أولادهم بكلام صالح.
فأجمعوا على قتله، فخرجوا وكمنوا في غار ليبيتوه منه وتقاسموا لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله، فسقط الغار عليهم فماتوا فهم الرهط التسعة الذين ذكر الله تعالى في كتابه هم قدار بن سالف، ومصرع بن مهرج ضما إلى أنفسهما سبعة نفر وعزموا على عقر الناقة، وروي أن السبب في ذلك أن امرأتين من {ثمود} من أعداء صالح جعلتا لقدار ومصرع أنفسهما وأموالهما على أن يعقرا الناقة وكانتا من أهل الجمال، وقيل إن قدارًا شرب الخمر مع قوم فطلبوا ماء يمزجون به الخمر فلم يجدوه لشرب الناقة، فعزموا على عقرها حينئذ فخرجوا وجلسوا على طريقها وكمن لها قدار خلف صخرة، فلما دنت منه رماها بالحربة ثم سقطت فنحرها، ثم اتبعوا الفصيل فهرب منهم حتى علا ربوة ورغا ثلاث مرات واستغاث فلحقوه وعقروه، وفي بعض الروايات أنهم وجدوا الفصيل على رابية من الأرض فأرادوه فارتفعت به حتى لحقت به في السماء فلم يقدروا عليه فرغا الفصيل مستغيثًا بالله تعالى فأوحى الله إلى صالح أن مرهم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، وحكى النقاش عن الحسن أنه قال إن الله تعالى أنطق الفصيل فنادى أين أمي؟ فقال لهم صالح إن العذاب واقع بكم في الرابع من عقر الناقة، وروي: أنه عقرت يوم الأربعاء وقال لهم صالح تحمر وجوهم غدًا وتصفر في الثاني وتسود في الثالث وينزل العذاب في الرابع يوم الأحد، فلما ظهرت العلامة التي قال لهم أيقنوا واستعدوا ولطخوا أبدانهم بالمن، وحفروا القبور وتحنطوا فأخذتهم الصيحة وخرج صالح ومن معه حتى نزل رملة فلسطين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القصص اقتضبته من كثير أورده الطبري رحمه الله رغبة الإيجاز، وقال أبو موسى الأشعري: أتيت بلاد {ثمود} فذرعت صدر الناقة فوجدته ستين ذراعًا.
قال القاضي أبو محمد: وبلاد {ثمود} هي بين الشام والمدينة، وهي التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين في غزوة تبوك فقال لا تدخلوا مساكين الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ثم اعتجر بعمامته وأسرع السير صلى الله عليه وسلم وروي أن المسافة التي أهلكت الصيحة أهلها هي ثمانية عشر ميلًا، وهي بلاد الحجر ومراتعها الجناب وحسمي إلى وادي القرى وما حوله، وقيل في قدار إنه ولد زنا من رجل يقال له ظيبان وولد على فراش سالف فنسب إليه ذكره قتادة وغيره، وذكر الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال أتعرفون ما هذا قالوا: لا، قال هذا قبر أبي رغال الذي هو أبو ثقيف كان من {ثمود} فأصاب قومه البلاء وهو بالحرم فسلم فلما خرج من الحرم أصابه ما أصابهم فدفن هنا وجعل معه غصن من ذهب قال فابتدر القوم بأسيافهم فحفروا حتى أخرجوا الغصن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الخبر يريد ما في السير من أن أبا رغال هو دليل الفيل وحبيسه إلى مكة والله أعلم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإلى ثمود}.
قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمود: لقلَّة مائها.
قال ابن فارس: الثَّمد: الماء القليل الذي لا مادة له.
قوله تعالى: {هذه ناقة الله} في إضافتها إليه قولان:
أحدهما: أن ذلك للتخصيص والتفضيل، كما يقال: بيت الله.
والثاني: لأنها كانت بتكوينه من غير سبب.
قوله تعالى: {لكم آية} أي: علامة تدل على قدرة الله؛ وإنما قال: {لكم} لأنهم هم الذين اقترحوها، وإن كانت آية لهم ولغيرهم.
وفي وجه كونها آية قولان:
أحدهما: أنها خرجت من صخرة ملساء، فتمخَّضت بها تمخُّضَ الحامل، ثم انفلقت عنها على الصفة التي طلبوها.
والثاني: أنها كانت تشرب ماء الوادي كله في يوم، وتسقيهم اللبن مكانه.
قوله تعالى: {فذروها تأكل في أرض الله} قال ابن الأنباري: ليس عليكم مؤنتها وعلفها.
و{تأكل} مجزوم على جواب الشرط المقدر، أي: إن تذروها تأكل.
قوله تعالى: {ولا تمسوها بسوء} أي: لا تصيبوها بعقر. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح.
وهو أخو جدِيس، وكانوا في سعة من معايشهم؛ فخالفوا أمر الله وعبدوا غيره، وأفسدوا في الأرض.
فبعث الله إليهم صالحًا نبيًّا، وهو صالح بن عبيد بن آسف بن كاشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود.
وكانوا قومًا عُرْبًا.
وكان صالح من أوسطهم نَسَبًا وأفضلهم حَسَبًا فدعاهم إلى الله تعالى حتى شَمِطَ ولا يتبعه منهم إلا قليل مستضعَفون.
ولم ينصرف ثمود لأنه جُعل اسما للقبيلة.
وقال أبو حاتم: لم ينصرف لأنه اسم أعجميّ.
قال النحاس: وهذا غلط؛ لأنه مشتق من الثَّمد وهو الماء القليل.
وقد قرأ الفراء {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} [هود: 68] على أنه اسم للحيّ.
وكانت مساكن ثمود الحِجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى.
وهم من ولد سام بن نوح.
وسميت ثمود لقلة مائها.
وسيأتي بيانه في الحجر إن شاء الله تعالى.
{هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} أخرج لهم الناقة حين سألوه من حجر صَلْد؛ فكان لها يوم تشرب فيه ماء الوادي كله، وتسقيهم مثله لبنا لم يشرب قط ألذ وأحلى منه.
وكان بقدر حاجتهم على كثرتهم؛ قال الله تعالى: {لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 155].
وأضيفت الناقة إلى الله عز وجل على جهة إضافة الخلق إلى الخالق.
وفيه معنى التشريف والتخصيص.
{فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله} أي ليس عليكم رزقها ومؤونتها. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} يعني أرسلنا إلى ثمود وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جديس بن عابر وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله ومعنى الكلام وإلى بني ثمود أخاهم صالحًا لأن ثمود قبيلة.
قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمود لقلة مائها والثمد الماء القليل وقيل سموا ثمود باسم أبيهم الذي ينسبون إليه أخاهم صالحًا يعني في النسب لا في الدين وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} يعني قال لهم صالح حين أرسله الله تعالى إليهم يا قوم وحدوا الله تعالى ولا تشركوا به شيئًا فما لكم من إله يستحق أن يُعبد سواه {قد جاءتكم بينة من ربكم} يعني جاءتكم حجة من ربكم وبرهان على صدق ما أقول وأدعو إليه من عبادة الله تعالى ولا تشركوا به شيئًا وعلى تصديق بأني رسول الله إليكم ثم فسر تلك البينة فقال: {هذه ناقة الله لكم آية} يعني علامة على صدقي قال العلماء رحمهم الله تعالى: ووجه كون هذه الناقة آية على صدق صالح ومعجزة له خارقة للعادة أنها خرجت من صخرة في الجبل وكونها لا من ذكر ولا من أنثى وكمال خلقها من غير حمل ولا تدريج لأنها خلقت في ساعة وخرجت من الصخرة وقيل لأنه كان لها شرب يوم ولجميع قبيلة ثمود شرب يوم وهذا من المعجزة أيضًا لأن ناقة تشرب ما تشربه قبيلة معجزة وكانوا يلحبونها في يوم شربها قدر ما يكفيهم جميعهم ويقوم لهم مقام الماء وهذا أيضًا معجزة وقيل إن سائر الوحوش والحيوانات كانت تمتنع من شرب الماء في يوم شرب الناقة وتشرب الحيوانات الماء في غير يوم الناقة وهذا أيضًا معجزة وإنما أضافها إلى الله تعالى في قوله هذه ناقة الله على سبيل التفضيل والتشريف كما يقال بيت الله وقيل لأن الله تعالى خلقها بغير واسطة ذكر وأنثى وقل لأنه لم يملكها أحد إلا الله تعالى وقيل لأنها كانت حجة الله على قوم صالح {فذروها تأكل في أرض الله} يعني فذروا الناقة تأكل العشب من أرض الله فإن الأرض لله والناقة أيضًا لله وليس لكم في أرض الله شيء لأنه هو الذي أنبت العشب فيها {ولا تمسوها بسوء} يعني ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من أنواع الأذى ولا تعقروها {فيأخذكم عذاب أليم} يعني بسبب عقرها وأذاها. اهـ.